الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة عطورات محمد علي كمون في اختتام مهرجان قرطاج: كان بالإمكان أفضل مما كان

نشر في  19 أوت 2018  (16:06)

 "مطر ... مطر .. مطر ..  أتعلمين أي حزن يبعث المطر وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع .. مطر .. مطر .. مطر وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع"، هكذا تغنى بدر شاكب السياب بالمطر، لكننا مساء 17 أوت لم نذرف الدموع  ليلة رحيل الدورة 54 من مهرجان قرطاج الدولي، ولم نشعر بالحزن أو بالضياع ونحن نتابع فصول معطرة تروي قصة فتاة متعددة الملامح عربية أندلسية بربرية افريقية فتاة اسمها تونس وعبقها 24 عطرا.. ليلة عزفت فيها السماء على وقع ايقاع حبات المطر وعزفت فيها أوركستر اوبرا تونس نغمات متفردة مزجت بين الموسيقى التونسية الصحراوية والبدوية، والمالوف، والموسيقى الصوفية والشاوية وبين الموسيقى السنفونية والجاز . 

60 فنانا بين عازفين ومنشدين حملوا الجمهور ليلة اسدال الستار على مهرجان قرطاج الدولي في رحلة استكشافية حطوا فيها الرحال بـ 24 ولاية من ولايات تونس، رحلة قادها محمد علي كمون مستعينا في كل مرة بمعزوفة افتتاحیة في شكل بوابة تشیر للسفر من مكان الى آخر فمن "جبل زغوان" الذي یفتح على الشمال الأندلسي الى"سیكاه فینیریا" على الأطلس البربري وصولا الى "نفطة" على الجنوب البدوي... تلي كل معزوفة أغاني قدیمة من عمق الذاكرة التونسیة بتوزیع سیمفوني حدیث منفتح على العالم و یصاحبها تصمیم كولیغرافي للفنان رؤوف الكراي، وعازفين دوليين منهم زیاد الزواري على الكمنجة والناي  ونبیل عبد مولاه ولطفي صوة على الايقاع، كما حضر الباطري والباص والطبلة والزكرة اضافة الى البيانو وبعد كل فاصل تستقبل المجموعة مجموعة من الفنانین من ألوان و أجیال مختلفة.

وكما تستقطر العطور من الياسمين والبنفسج وزهر الليمون والورد وغيرها، جاب محمد علي كمون كل شبر من أرض الوطن ليستخرج عصارة عطوره الموسيقية ويترجمها الى نوتات امتزج فيها عطر الموسيقى التراثية  بنكهة اركسترالية عصرية، قائد لم يكتف مساء 17 أوت بالعزف على آلة البيانو وقيادة فرقته بل غنى ورقص و"تخمّر" احتفالا بعطوره الأربع والعشرين، كما لم يكتف بساعتين من العرض كما هو معمول به بل تجاوز ذلك بكثير لتصل مدة عرضه الى قرابة ال3 ساعات .

ستة لوحات، افتتحت كل واحدة منها بمقدمة موسيقية، وكانت ضربة البداية بعطور المالوف الأندلسي، التي قدمها سفيان الزايدي ورغم البداية المتعثرة من ناحية أعطاب على مستوى الصوت فقد نجح الزايدي في جعل الجمهور يتفاعل مع نوبة المالوف و"جبل زغوان، رحلة استمرت مع عطور الأطلس الشاوي التي افتتحت بمعزوفة "سيكافينيرا" متبوعة بأغنية "ناقوس" وغيرها من الأغاني التي أداها كل من محمد صالح العیساوي وآیة دغنوج و أیمن بن حسن ومحمد بن صالح، ليهتز المسرح الروماني مع العطور البدوية التي قدمها المنجي المصاورة والشاب فوزي ومعتصم لمیر وقدم "كمون" في هذا العطر ثلاثة أغان تحفظها الذاكرة التونسية وأعادت اكتشافها في العرض: "ريت النجمة"، "حبيب خاطري"، و"شية شية"

المحطة التالية في العرض كانت مع العطر العباسي وفقرة من التراث الجربي والقرقني افتتحها بمعزوفة "عباسية"، تلتها الحضرة النسائية بالمقطوعة الموسيقية "سيدي بوجعفر" وبالجلوة الصفاقسية والساحلية مع أغنية "قولوا لأم الزين"

وانتهى العرض بالعطر الصوفي مع معزوفة "دار شعبان"  وأغان تسمو بالروح من "يا بيضاء" إلى "لميمة"، ومعزوفة "السمراء"

عرض تخلله لوحات كوریغرافیة بتصمیم راقصین دولیین أما التنفیذ السینوغرافي فكان بامضاء أمیر العیوني المتحصل على جائزة أحسن سینوغرافیا في أیام قرطاج المسرحية.

عطور متنوعة فاح شذاها فوق الركح الأثري لمسرح قرطاج، فاستنشقنا النسمة الكافية، مرورا بجبال خمير فالصحراء الغنية بموروث موسيقي زاخر دون ان ننسى المالوف الأندلسي من العاصمة الى قلعة الأندلس وزغوان وتستور، وغيرها من العطور التي كشفت المجهود الكبير الذي بذله محمد علي كمون سواء  من ناحية الجمع بين الموروث الموسيقي التونسي والتوزيع الاركسترالي او من ناحية الجمع بين الآلات الموسيقية الشرقية والغربية وبين الطبل و"الزكرة" ..

مجهود يذكر فيشكر لكن هذا لا ينفي وجود عديد الاخلالات لعل أبرزها الاطالة في مدة العرض الى درجة تسلل الملل لدى البعض، اضافة الى تذبذب نسق السهرة حيث لاحظنا وجود فترات يرتفع فيها مستوى العرض والاخرى ينخفض فيها كثيرا، دون أن ننسى سوء استغلال الركح حيث انتشرت الآلات بشكل عشوائي غاب عنه الاخراج الركحي، وهو ما أعاق ربما حركة الراقصين وشتت الأنظار بين الكوريغرافيا والغناء والعزف، ومن المهم أن نذكر أنه بان بالكاشف ان محمد علي كمون اراد تقديم عصارة تجربته دون وضع استراتيجية واضحة وتنسيق بين مختلف اللوحات والفصول الموسيقية، ختاما لا بدّ من التنويه بأهمية تشريك الجيل القديم ممن يتقنون الغناء البدوي لكن مع ايلاء اهمية  كبرى لجودة الصوت، خاصة وأن العرض شهد عديد الأعطاب التقنية سواء من ناحية الصوت او الاضاءة .

سناء الماجري